
ومما يدعو إلى الاستغراب أن عناصر الثقافة لدينا يتم العبث بها بصورة علنية لا تخفى على أي متابع أو غيور على هويته وكيانه ، فالدين يتم تشويهه بغزو فكري وإعلامي بيد بعض المنتسبين لهذه الثقافة تارة ، وبيد المندسين من الجهلة وانصاف المتعلمين تارة أخرى ، ويتم عبر التشكيك بثوابت هذا الدين وقيمه واحكامه ، كما يتم ذلك بيد اعداء الثقافة بصورة مقصودة لهدمه ، وهذا يلاحظ عبر وسائل الإعلام التي تنسب الإرهاب والتطرف لهذا الدين والمنتسبين إليه .
أما اللغة التي تشكل الحارس الأمين للثقافة والهوية فلم تعد محط اهتمام اصحابها رغم دعوات الغيورين والمحبين لها بضرورة المحافظة ، ولعل الضعف الحاصل لدى كثير من الحاملين للسانها قراءة وكتابة ومحادثة يثبت حجم العبث بها ، وما يجري في جامعاتنا ومدراسنا ووسائل اعلامنا وفي الأسواق يدل دلالة واضحة على طريقة العبث بها ، أما التاريخ فقد ناله الحظ الأوفر من العبث والتشويه والكتابة الخاطئة والقراءة التحليلية الخاطئة مما أورث الشك في نفوس الاجيال المنتمية لهذه الثقافة .
وفيما يتعلق بالعادات والتقاليد فقد تم استبدالها بعادات مستوردة لا تمت لعناصر الثقافة بصلة ، وغالبها دخيل ومخالف لقيم ثقافتنا ، كما تنافس الناس على عدوى المستورد والدخيل من العادات والتقاليد ، وفيما يتعلق بنمط التفكير فالغالب عليه هو نمط التفكير الذي يزن الأمور بميزان المصلحة والمنفعة بغض النظر عن مخالفتها للقيم والآداب ، وفي نفس السياق يلاحظ أن أنماط الحياة لا تختلف كثيرا عن الأمم الأخرى رغم الفوارق الحضارية والثقافية ، الأمر الذي انعكس سلبا على منظومتنا الثقافية والقيمية والاجتماعية مما سهل العبث بالنسيج الاجتماعي بصورة مرعبة ومخيفة اضعفت الروابط الاجتماعية ، وعبثت بمنظومة القيم والاخلاق ، من أجل هذا مطلوب على مستوى الفرد والجماعة تدارك الأمر ، فمن يعبث بثقافتنا يعبث بنسيجنا الاجتماعي ، والعبث بالنسيج الاجتماعي تحت أي مسمى كان هو تفتيت للمجتمع ، فمتى يدرك العقلاء من بني قومي خطورة ما نحن فيه ؟ .
تشكل الهوية الثقافية والحضارية ، ومن هذه العناصر الدين واللغة ، والتاريخ ، والعادات والتقاليد ، ونمط التفكير، ونمط الحياة ، وهي بمجموعها تشكل هوية الفرد والمجتمع الثقافية ، وتعمل على منح المجتمع المناعة الثقافية التي تحصنه من موجات الغزو الفكري والثقافي والإعلامي ، وحاجة المجتمعات إلى عناصر الثقافة بمجموعها حاجة ملحة لتحافظ على كيانها ووجودها الثقافي والحضاري .
شاهد المزيد