
وبصدد الحديث عن الفتنة والخلافات التي تعيشها الأمة في هذا الظرف الدقيق من حياة الأمة ينبغي التأكيد أن الفتنة هي صناعة سياسية ، وأن الخلافات هي خلافات سياسية تغذيها جهات متعددة لخدمة مصالحها ، ولم يكن الخلاف في يوم من الأيام خلافاً فقهياً يترتب عليه الصراع أو الفتنة ، وقد اتسعت صدور العلماء والدعاة لوجهات النظر المخالفة منطلقين من القاعدة التي تقول : " اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية " ومن قول الشافعي رحمه الله تعالى : " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب " ونتج عن هذا الفهم في تعدد وجهات النظر التنوع والتعدد الذي يقود إلى الإثراء والإبداع في الحياة الفكرية الإسلامية ، ولم ينتج عن ذلك أي فتنة أو فرقة أو حروب أو انقسامات كما تُروّج لذلك بعض الأقلام من أن الفتنة صناعة دينية ، حتى الخلاف السني الشيعي في أصله كان خلافاً سياسياً حول مسألة سياسية أخذت أبعاداً دينية ، وكان هناك جهات ترعى ذلك الخلاف وتغذيه لدوافع سياسية ، مع أن هذا الخلاف يمكن التعايش معه ومناقشته من خلال المختصين وأصحاب الفكر المستنير ، وليس عن طريق الإعلام والفضائيات التي تعتمد الإثارة والتشويه للحقائق .
وقد عرفنا عبر تاريخنا الفكري من المناظرات الفكرية ، ومن التنوع الفكري والفقهي عبر العصور الطويلة للأمة ما يدحض فكرة الفتنة الدينية ، بل لقد رأينا من علماء الأمة من يدعو إلى التجديد في الفهم ومراعاة متطلبات العصر ، ومحاربة التقليد ومنعه لما فيه من الحجر على العقول ومنع الإبداع ، ولكن الخلافات التي تحركها الدوافع السياسية هي التي تقف خلف غالب الصراعات التي وقعت بين أبناء في عصورها التاريخية المختلفة ، وعلى ذلك يمكن القول بأن الخلافات والفتن التي نسمع عنها وتعيشها الأمة هي صناعة سياسية وأن أخذت صبغة دينية ، فالدين يدعو إلي الوحدة لا إلى الفتنة كما يقولون .
د. رياض خليف الشديفات /
شاهد المزيد